تاريخ الفكر الجمالي مليء بالمعارك أو الصراعات الفكرية بين أنصار الجمال و أنصار المنفعة في الفن فما طبيعة الفن ؟ ما وظيفته ؟ و ما الصلة بين الفن و الأخلاق ؟ و بعبارة أخرى ما موقفنا من العمل الفني الساقط أخلاقيا و العمل الأخلاقي الساقط فنيا
تلك هي بعض المشكلات التي سأناقشها لبعض أشهر المواقف النقدية في تاريخ الفكر الجمالي و الأخلاقي في عالم الفن
وأحب أن أبين هنا أن كلمة الأخلاق لا تشير إلى نوع معين من الفضائل الخلقية بل تستخدم بمعناها العام فتشمل نظريات أرسطو الأخلاقية و أغراض دانتي الدينية و تطلعات الصوفيين و نزعات الإصلاح الاجتماعي من خلال توجه الأدب لدى الواقعيين و الواقعيين الاشتراكيين و يراد بكلمة الأخلاق كل اتجاه يستخدم الأدب في سبيل الأخلاق أو العقيدة أو المذهب0
في القرن الأول قبل الميلاد ظهر الشاعر اللاتيني هوراس و كتب( فن الشعر ) مرددا فيه الكثير من آراء أرسطو و مثيرا مشكلة ظلت و سوف تظل محورا رئيسيا تدور حوله المعارك النقدية فقد قال في أحد السطور من كتابة فن الشعر : غاية الشعر إما إفادة أو الإمتاع أو إثارة اللذة و شرح عبر الحياة في آن واحد 0
و بهذا التعريف استطاع هوراس أن يرضي جميع المتصارعين حول وظيفة الفن بإسناده إليه القيمة المنفعية و القيمة الجمالية و القيمة المنفعية الجمالية معا فأقام وظيفة الفن على نظرية مثلثة الأضلاع لو هدم ضلع لانهار المثلث كله دفعة واحدة ولكن يلاحظ هذه النظرية في وظيفة الفن إن كانت جامعة فهي ليست مانعة فهناك أشياء من وظائفها أنها تمنعنا و لكنها ليست من الأدب في شيء كما أنه بالمقابل هناك أشياء و لا تمت إلى الأدب بصلة و من هنا يلاحظ أوستن وارن و رينيه وليك أنه علينا أن ننظر إلى مفهومي المتعة و المنفعة نظرة خاصة فهما خاصتان متميزتان جدا من بين المتع و المنافع العامة و القول : إن الشعر تعليم مماثل لأي كتاب مدرسي0
و إذا تتبعنا مسار الحركة النقدية و الأدبية في العصر الحديث وجدنا النقاد و الأدباء و فلاسفة الجمال يقتتلون حول طبيعة الأدب ووظيفته و كأننا ما زلنا نعيش في العصر اليوناني أو اللاتيني و لكن مع اختلاف الأسماء وابتداع مصطلحات جديدة لتلك التيارات النقدية و التي عرفت بالمذاهب الأدبية حيث يقف وراء كل مذهب منظرون يضعون الدساتير و الشرائع الفنية و الأخلاقية متأثرين بميولهم و نزعاتهم و عقائدهم السياسية أو الدينية أو اتجاهاتهم الفكرية الفلسفية 0
أما في تاريخ الفكر النقدي عند العرب فإن مسألة الفن و الأخلاق لم تأخذ أبعادها الفكرية و النقدية كما لاحظنا ذلك عند اليونان و الرومان و في الأدب الأوروبي الحديث و مذاهبه المعاصرة و قد حدث هذا التقصير على الرغم من حركةالترجمة الواسعة التي سادت في العصر الذهبي من الحضارة العربية الإسلامية زمن العباسيين و رغم التيارات الاجتماعية المتصارعة و المذاهب الفكرية و الثقافية العامة والدينية أيضا و كل التيارات المتنوعة الوافدة علما بأن العرب ترجموا كتاب أرسطو العظيم في فن الشعر ( ابن سينا – متى بن يونس القنائي ) و لكن بما أن الشعر اليوناني كان شعرا مسرحيا تمثيليا بخلاف الشعر الغنائي و العرب أمة شعرية غنائية فلم يهتموا بكتاب أرسطو الاهتمام الكافي لأنه كان يعتمد على الملاحم و الأساطير0
لقد ضاعت على العقل العربي و الأدب العربي فرصة نادرة مبكرة لتلقيح ذلك العقل بثقافة إنسانية رفيعة الطراز لكن ( النرجسية الشعرية ) على أساس تفووق العرب شعريا على سائر الأمم في زعمهم و عقيدة التوحيد كل ذلك جعل المترجمين يديرون ظهورهم لملاحم الإغريق و مسرحياتهم و أشعارهم فلم يستثمرواا ما ترجموه من أرسطو في مجال الشعر و نقده استثمارا مفيدا لكن لكل عصر تفكيره و عقليته و نمط فنه المحكوم بشروط حضارية عامة و خاصة 0 و الملاحظ بشكل عام أن الحركة النقدية العربية حتى على أيدي النقاد الكبار أمثال الندي و الجرجاني مثلا ظلت محصورة في الغالب ضمن إطار من الشكلية و خاضعة لمقاييسها في تقويم العمل الفني0
مجمل القول عن مسألة الأخلاق في نقدنا القديم إن المواقف الدينية و الأخلاقية العامة حجبت عن نقادنا الدوافع الكامنة وراء مجالات كثيرة في شؤون النقد و تياراته و ظل في مجمله نقدا شكليا