إحياء أمر أهل البيت
وعن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى(ع) يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا ـ والكثير من الناس يستشهدون بهذه الكلمة في التعبير عن الولاء بالأساليب القلقة، ويتصوّرون أنَّ ذلك هو حقيقة إحياء الأمر، ولكنّ الإمام(ع) يفسّر إحياء أمر أهل البيت(ع) بشكل آخر، يكمل الراوي روايته فيقول: ـ فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال(ع): يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنَّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا"(37). فأمر أهل البيت(ع) هو الإسلام، والقرآن، وهو السُنَّة، وأن نقدّم أهل البيت(ع) إلى كلِّ جيلٍ من الأجيال من خلال المفاهيم التي أصّلوها، والعقائد التي أوضحوها، والأخلاق التي نهجوها، والعلوم التي نشروها، وأن نثقّف الناس بثقافة أهل البيت(ع) المتعدّدة الغنيّة. وهذا هو الذي يحيي أمرهم.. ولو أننا أجرينا استفتاءً شعبيّاً، فكم يا ترى في المائة ممن ينتمون لأهل البيت(ع) مَن يملكون ثقافة أهل البيت(ع)؟ كم منهم يعرف نهج البلاغة؟ وكم منهم يعرف الإمام الحسين(ع) في مواعظه وكلماته ومواقفه؟ فإحياء الأمر، هو إبقاء النهج والخطّ والرسالة، والأئمة(ع) ليس لديهم شيءٌ خاصٌّ سوى الإسلام، وأمير المؤمنين عليٌّ(ع) يقول: "فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلامَ وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فَوْت ولايتكم"(38).
فضائل أهل البيت(ع)
وفي تحديده لفضائل أهل البيت(ع)، يقول إبراهيم بن أبي محمود، وهو من الثقاة: "قلت للرِّضا(ع): إنَّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفضلكم أهل البيت وهي من مخالفيكم ـ أي أنَّ مصادرها ليست شيعيّة ـ ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ ـ فهل نلتزم بها؟ ـ فقال: "يابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه، أنَّ رسول الله(ص)، قال: مَن أصغى إلى ناطق فقد عبده ـ أي إذا استغرق في كلمات المتحدّث ـ فإن كان الناطق عن الله عزَّ وجلّ فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس". ثم قال(ع): "يابن أبي محمود: إنَّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلوّ ـ وهي أحاديث الذين يناصبوننا العداء، فأحاديث الغلوّ الموضوعة من قِبَلِهم تُخرجنا من إطار البشرية وتجعلنا قريبين من الربوبيّة، فهو ليس حديثنا ـ وثانيها: التقصير في أمرنا ـ وإنزالنا عن مراتبنا التي رتّبنا الله فيها ـ وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا ـ وهي أحاديثُ سبِّ الآخرين الذين نختلف معهم، ونحن لم نسبّ أحداً ولا أمرنا أحداً بالسبّ ـ فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ـ فيُقال لهم إنَّكم تغالون (ترفعون أئمتكم إلى مستوى الألوهيّة) ـ ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالبَ أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ـ أي إذا ورد عنّا سبّ، فإنَّ الأعداء يتخذونه ذريعةً لسبّنا ولعننا ـ وقد قال الله عزَّ وجلّ: {وَلا تسبُّوا الذين يَدْعُون من دون الله فيسبُّوا الله عَدْوَاً بغير علم} [الأنعام:108] يابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا ـ فإنَّ طريقتنا هي الصراط المستقيم، وهي المحجّة البيضاء، وهي الجادّة الوسطى ـ فإنَّه مَنْ لَزِمَنا لَزِمْناه، ومَن فارقنا فارقناه، إنَّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة نواة ـ أي أن يغيّر حقائق الأشياء ـ ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه، يابن أبي محمود، احفظْ ما حدّثتك به، فقد جمعت لك خيرَ الدنيا والآخرة".
ونعود إلى الحديث عن منهج الإمام(ع) في المسألة التربويّة والأخلاقيّة، ليكون خطّاً نسير عليه نمتلك فيه وسيلة النجاة في الدنيا والآخرة.
خط أهل البيت(ع)
هذا هو خطُّ أهل البيت(ع).. فإذا كنا نريد السير في خطهم، فإنّ خطّهم هو ارتفاع الإنسان بإنسانيته، وخط أهل البيت هو أن ينطلق الإنسان في إيمانه بربّه وبحركة مسؤوليته اتجاه الآخر، وخطُّ أهل البيت هو أن تفهم نفسك جيداً، وأن تدخل في مقارنة دائمة بين نفسك وبين الآخرين، أن تكون إنساناً في موقع القيمة وفي موقع المعرفة بالله والقرب إليه سبحانه وتعالى، أن تتحرك بمحبة الناس في خطّ المسؤولية، هذا هو خط أهل البيت(ع)، فهو ليس كلمات ومظاهر تتحرك من دون وعي، فأهل البيت(ع) ينطلقون من خلال الإسلام، فكن مسلماً موالياً لأهل البيت، فليس عندهم شيء إلا الإسلام، يقول الإمام الباقر(ع): "مَن كان مطيعاً لله فهو لنا ولي، ومن كان عاصياً لله فهو لنا عدو، والله لا تُنال ولايتنا إلاّ بالورع"(